انتخابات تركيا المحلية- تحديات وفرص حزب العدالة والتنمية في إسطنبول

المؤلف: د. سعيد الحاج11.11.2025
انتخابات تركيا المحلية- تحديات وفرص حزب العدالة والتنمية في إسطنبول

في خضم المشهد السياسي التركي المتأجج، تتجه الأنظار صوب الانتخابات المحلية المرتقبة، والتي ستشهد منافسة محتدمة بين حزب العدالة والتنمية والمعارضة المشتتة. ورغم أن تفكك تحالف المعارضة قد منح الحزب الحاكم دفعة قوية، إلا أن الفوز، خاصة في بلدية إسطنبول الكبرى، لا يزال بعيدًا عن الضمان، إذ تعترض طريقه العديد من العقبات والتحديات.

آفاق واعدة

تكتسب البلديات في تركيا أهمية استثنائية، تتجاوز نطاق الخدمات المحلية، لتتأثر بشكل بالغ بالديناميكيات السياسية المتغيرة. وتمثل البلديات ساحة تنافس حادة، كونها تمثل نافذة حيوية للتواصل المباشر مع المواطنين، بالإضافة إلى الميزانيات الضخمة التي تفوق في بعض الأحيان ميزانيات وزارات بأكملها.

ويزداد الاحتقان في الانتخابات البلدية، في ظل الاستقطاب الحاد الذي تشهده البلاد، والفوز اللافت الذي حققته المعارضة في انتخابات عام 2019، بسيطرتها على بلديات رئيسية مثل إسطنبول وأنقرة. ويبرز ترشح أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول الحالي، كعامل إضافي يزيد من سخونة المنافسة، خاصة وأن اسمه يتردد كمرشح رئاسي محتمل في المستقبل.

من المغالاة القول بأن فوز حزب العدالة والتنمية أمر مفروغ منه، خاصة في إسطنبول، إذ تتداخل عوامل وظروف متعددة، تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على النتائج النهائية.

تتمتع إسطنبول بوضع فريد، فهي ليست مجرد بلدية كبرى، بل تحمل رمزية خاصة في المسيرة السياسية للرئيس رجب طيب أردوغان، الذي انطلق منها ليحكم البلاد لأكثر من عقدين. وقد تجسد ذلك في شعار "من يكسب إسطنبول يكسب تركيا". وقبل أيام، أعلن أردوغان أن الانتخابات المقبلة هي الأخيرة له دستوريًا، مؤكدًا على أهمية استعادة بلدية إسطنبول.

في أعقاب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو الماضي، شهد تحالف "الأمة" المعارض تصدعًا بسبب الخلافات بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد، مما عزز من فرص حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة. غير أن الانطباع السائد بأن طريقه نحو الفوز باتت مُعبدة وميسرة، خاصة في إسطنبول، لا يعكس الواقع بدقة.

لا شك أن حظوظ الحزب الحاكم تبدو أوفر مقارنة بالانتخابات السابقة، ويعزى ذلك إلى تفكك التحالف المعارض، وتبادل الاتهامات بين أطرافه، وتقديم أحزاب المعارضة الأخرى لمرشحين سينافسون مرشحي الحزب الحاكم وحزب الشعب الجمهوري على حد سواء.

وبالنظر إلى الحضور القوي والشعبية الواسعة التي يحظى بها حزب العدالة والتنمية في عموم البلاد وإسطنبول، بالإضافة إلى دعم حزب الحركة القومية، والانقسامات الداخلية التي يعيشها حزب الشعب الجمهوري، تبدو فرص الحزب الحاكم أكثر إشراقًا في عموم تركيا.

ومع ذلك، لا يمكن الجزم بأن الفوز حليف حزب العدالة والتنمية، خاصة في إسطنبول، إذ يجب أخذ السياقات والعوامل المتعددة التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في النتيجة بعين الاعتبار.

تشابكات معقدة

تتسم الانتخابات في تركيا بالتعقيد، إذ تتداخل فيها مؤثرات سياسية واقتصادية وأيديولوجية، بالإضافة إلى التحالفات والشخصيات المرشحة. وفي الانتخابات المحلية، يضاف إلى ذلك تأثير العوامل الجهوية والمناطقية والعشائرية والشخصيات المحلية المؤثرة.

ورغم أن السياسة الخارجية عادة ما تكون ذات تأثير محدود في الانتخابات المحلية، إلا أن الحرب على غزة ألقت بظلالها على المعركة الانتخابية الحالية، وبرزت في الحملات الانتخابية والاتهامات المتبادلة بين المرشحين، خاصة في إسطنبول، في ظل شعور عام بأن الحكومة لم تبذل قصارى جهدها لوقف العدوان، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات التجارية مع دولة الاحتلال.

على الرغم من أن استطلاعات الرأي في تركيا أثبتت عدم دقتها في العديد من المناسبات، إلا أنها لا تزال مؤشرًا يمكن الاستئناس به. وتظهر الاستطلاعات أن فرص رئيس بلدية أنقرة الحالي، منصور يافاش، تفوق بكثير فرص منافسه مرشح العدالة والتنمية، في حين تتسم المنافسة على بلدية إسطنبول الكبرى بين الرئيس الحالي إمام أوغلو ومرشح العدالة والتنمية مراد كوروم بالحدة الشديدة، ولا يوجد تقدم كبير لأي منهما على الآخر.

تبدو هذه النتائج منطقية في الإطار العام، إذ يرجح فوز يافاش في أنقرة، وتتقارب الفرص في إسطنبول، وذلك على الرغم من التطورات المتعلقة بالتحالفات. وهناك عاملان مهمان يجب أخذهما في الاعتبار:

أولًا: إن تفكك التحالف المعارض وترشيح بعض أحزابه لمنافسين لأكرم إمام أوغلو في إسطنبول، لن ينعكس بالضرورة بشكل كامل ومباشر على صناديق الاقتراع.

فعلى الرغم من أن حزب الجيد قدم مرشحه الخاص، إلا أن أنصاره قد لا يلتزمون بشكل كامل بتوجهات قيادته، وقد ينظر بعضهم إلى الانتخابات على أنها معركة مع حزب العدالة والتنمية، وبالتالي سيدعمون المنافس الأبرز لمرشحهم، أي إمام أوغلو.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن مرشح حزب الجيد يحظى بشعبية أقل بكثير من شعبية الحزب في الانتخابات الأخيرة، مما يعزز هذه الفرضية.

كما أن منافسة حزب ديمقراطية ومساواة الشعوب، الاسم الجديد لحزب الشعوب الديمقراطي "الكردي"، قد لا تكون حقيقية، إذ لم يختر الحزب شخصية بارزة من قياداته، وحملته الانتخابية ليست قوية. كما أنه أبرم اتفاقًا مع حزب الشعب الجمهوري في أحد أحياء إسطنبول، مما يرجح فكرة أن الترشح لبلدية إسطنبول الكبرى قد يكون صوريًا، وأن الحزب قد يوجه ناخبيه لدعم إمام أوغلو، حيث يملك نفوذًا ملموسًا عليهم. ولا يزال احتمال الانسحاب (عمليًا وليس رسميًا) والدعوة العلنية للتصويت لإمام أوغلو قائمًا، وإن كان غير مرجح.

في المقابل، يشكل مرشحو الأحزاب المحافظة ذات الحضور الضعيف تحديًا أمام مرشح العدالة والتنمية، إذ أن أحزابًا مثل السعادة والرفاه مجددًا قادرة على استقطاب جزء من الرصيد الانتخابي للحزب الحاكم، كما حدث في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

ويزداد هذا التأثير، مع سقف هذه الأحزاب الأعلى من سقف الحزب الحاكم فيما يتعلق بالعدوان على غزة، وانتقاداتها المباشرة للحكومة، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية. وفي ظل المنافسة الشديدة وتقارب الفرص، يصبح كل صوت مهمًا في الاستحقاق المقبل، مما قد يجعل للحضور الضعيف لهذه الأحزاب تأثيرًا قويًا.

وحتى الآن، ومع الحملات الانتخابية التي لم تشهد أداءً متميزًا لإمام أوغلو أو كوروم، تبقى المنافسة محتدمة والفرص متقاربة إلى حد كبير. ويجعل ذلك من الفترة المتبقية للحملات الانتخابية ذات أهمية بالغة في استمالة الناخبين واستقطاب الأصوات المترددة القادرة على حسم النتيجة، خاصة إذا ما صدر عن أي من المتنافسين خطأ كبير أو تصريح غير موفق أزعج شريحة من الناخبين. وقد يكون أي خطأ كبير في الأيام المتبقية من الحملة الانتخابية هو الأخير والحاسم.

وفي هذا السياق، من المهم التذكير بأن الحملات الانتخابية عادة ما تخدم مرشح العدالة والتنمية أكثر من منافسيه، خاصة مع مشاركة أردوغان نفسه بشكل مباشر في الحملة الانتخابية. إلا أن المرشح المنافس، إمام أوغلو، هو الرئيس الحالي للبلدية، مما يمنحه منبرًا قويًا وأفضلية في الحملة الانتخابية، تقلل من استفادة حزب العدالة والتنمية.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل تأثير أردوغان في الانتخابات، إذ نشط مؤخرًا في حضور يومي على هامش فعاليات الإفطار في رمضان. وكان تصريحه بأنها "آخر انتخابات" له لافتًا، إذ يعتبر من التصريحات العاطفية المؤثرة في أنصاره. كما أنه يسعى للتأثير على فئة المتحفظين أو المعارضين من أنصاره السابقين، فضلًا عن محاولة طمأنة المترددين بأنه غير باقٍ في السلطة.

في الختام، فالانتخابات المحلية المقبلة، ولا سيما في إسطنبول، أبعد ما تكون عن معركة محسومة النتائج سلفًا، وستكون المنافسة شرسة في إسطنبول، التي تمثل أم المعارك في الاستحقاق الانتخابي المقبل ومعيار الفوز والخسارة بالنسبة للكثيرين.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة